تيمولاي 24:الأستاذ عبد الله كيكر أعده للنشر على الويب بوزرع ابراهيم .
الحاج
" إكمي الحسين " من تيمولاي إزدار كان تلميذا بتارودانت في ثانوية ابن سليمان
الروداني ،في أواخر الاستعمار و بداية الاستقلال ،تم عمل بها معلما قبل أن ينتقل
الى ثانوية يوسف بن تاشفين ليعمل بها أستاذا ،ثم عمل حارسا عاما في طنطان ثم مديرا
في كلميم لإحدى الاعداديات، وأخيرا مدير لثانوية باب الصحراء في كلميم حيث تقاعد ،
يسكن الآن (2005) ب (اراك بواركان) كنت قد اتصلت به وضربت موعدا ليحكي لي بعض
ذكرياته عن جيش التحرير بعد ان أخبرته بما انا بصدده , القيام ببحث في موضوع " تجاوزات جيش التحرير
في سوس " في اليوم الموعود ذهبت عنده
الى منزله "ببوركان "بعد ان صلينا معا صلاة العصر في المسجد هذا الحي
وهناك بدأ يحكي ،لما فتحت المسجلة قرأ الفاتحة ثم قال ،ان الموضوع الذي تبحث فيه
موضوع مهم جدا ،ثم قال ان الانطباع الذي كان لدينا حول جيش التحرير ،لما كنا نسمع
به هو أنه جيش انشئ لطرد الاستعمار الفرنسي من المغرب ،و أنه كله غيرة على الوطن و
المواطنين ،وانه من الشعب واليه ،ولكن لما رأيناه في سوس عندما نزل اليها ، أدركنا
أنه غير ذلك ،اذ نشر الرعب و الخوف بين الناس ،كل الناس و ليس فقط بين الذين
تعاونوا مع الفرنسيين ،وذلك نتيجة تصرف افراده المتسمة بالقسوة و المعاملة اللاإنسانية
،وهكذا لما جاء الى سوس القى القبض على كل القواد و التجار وكل من يملك ما يسلب كبيرا كان او صغيرا و في جميع انحاء سوس ،ولا
مطمح لهم وراء كل ذلك الا المال ، ولا شيء غير المال ،نعم التهمة التي يلصقونها
بهؤلاء هي الخيانة لتعاملهم مع الفرنسين و كأنه لم يتعامل أحد في المغرب كله مع
الفرنسي الا السوسيون ، من الذين ألقى عليهم القبض و سلبهم كل ما يملكون ثم قتلهم" التيوتي " قائد تيوت وكان في نفس الوقت باشا تارودانت ،ومن الاشياء التي ـأخذوها
له قصره بتارودانت و اتخذه أحد قادة جيش التحرير مسكنا له كان لهذا القائد أخ يدرس
معنا وكنا نذهب معه الى هذا القصر ، وقد رأينا فيه من الزرابي و الافرشة و الأواني الفضية و النحاسية وصحون الطاوس و
كؤوس البلار ما ابهرنا ، كما أخدوا له قصريات و أعطوها لجمعية علماء سوس التي جعلت
منها مطعما و مسكنا لطلبة المعهد وأخدوا له كذلك أراضي في تزمورت وفي تيوت وفي
تارودانت فوزعوها على المتعاونين مع فصاروا يتلاعبون بها الى أن سلط الله عليهم ما
حال بينهم ، ومن الذين القى عليهم القبض كذلك ، " الضرضوري " قائد اولوز القى عليه القبض وسلبه كل ما يملك ثم أطلق سراحه ،لم
يقتله اذ اشترى نفسه منهم بالمال، أما " بوشعيب " قائد هوارة فقد فر الى فرنسا وكذلك القائد " يرعى "
قائد بيوكري ،و ايضا "بالمدني " باشا أكادير فر الى فرنسا ونفس الشيء بالنسبة " للفطمي " باشا تزنيت، أما "
عبد الله أجرار "
ألقى عليه جيش التحرير القبض وسلبه كل ما يملك وذهب به الى الصحراء و قتله ، "وموسى بن الطيفور" شيخ العوينة ألقى عليه القبض وسلبه كل ما يملك الا انه لم يقتله اذ
فداه أخوه "الحاج محفوظ "،وكان تاجرا في الدار البيضاء ،حيث أعطى ستة الاف درهم ( وكان
لها يومئذ شأن) لاحد المتعاونين مع جيش التحرير ببيزا كارن ،وقد حضر العملية عمي
وهو في نفس الوقت صهري ،أب زوجتي ،" الحاج عيسى أوباعوس ".
اتخذوا مقرا لهم في كلميم بدار بن يحيا ،اما في
تمولاي فقد أعطاهم صهري "الحاج عيسى " حضيرة له هناك (كوري) واتخذوها مركزا لهم ويوجد بها مخزن كبير
(الهري) وفيه كانوا يسجنون ضحاياهم الى ان يفدوا أنفسهم ،كانوا يأخذونهم الى هناك
فيلبسوهم الخيش بعد ان يحدثوا ثقبا في أسفله واخر ين بجانبه واحدا على اليمين و
الاخر على اليسار ،وربما جعلوا من القطعة التي قطعوها في الوسط طاقية اذ كل الذين
ألبسوهم الخيش يضعون هذه الطاقية على رؤوسهم.
قال الحاج إكمى :
كنت حاضرا في تمولاي لما قدمت اليه شاحنتان مملوءتان بأشخاص وقد كانوا يلبسون
جميعا الخيش و يضعون طاقيات من الخيش كذلك على رؤوسهم ،وقال الناس إن هؤلاء خونة
قد ذهبوا بهم الى فم الحصن لاعدامهم ، ولكن الحاج ابراهيم وصاي
،وكان عالما ومقاوما كبيرا، أبي أن يقتلوهم هناك وقال لهم لن تجعلوا من
"الشرك" مقبرة لهؤلاء، أرجعوهم الى منازلهم او اذهبوا بهم الى مكان اخر،
ولما رجعوا بهم توقفوا في تمولاي ينتظرون الاوامر من اكلميم ،اذا لم يكن الهاتف
موجودا يومئذ في تيمولاي، فخرجنا جميعا ،اهل تيمولاي نشاهدهم حيث كانوا يمدونهم
بالماء في علب القصدير كما وزعوا عليهم خبزا يبلغ عددهم حوالي مائة شخص لما جاءتهم
التعليمات ذهبوا بهم الى كلميم ،وقيل فيما بعد أنهم ذهبوا بهم إلى ناحية طنطان
فحفروا خندقا دفنوهم فيه الى رؤوسهم فقتلوهم جميعا حيث لم يسمع بهم أحد بعد ذلك
ومن الذين ألقى عليهم جيش التحرير القبض الطاهر المدني
قائد بيزكارن ،سلبوه كل ما يملك وعذبوه ثم قتلوه وكذلك محمد أو محمد
قائد امجاض ،سلبوه كل ما يملك و لكنهم اطلقوا سراحه لانه فدى نفسه بمال وكذلك أحمد بوالطعام
ألقوا عليه القبض و سلبوه كل ما يملك بما في ذلك شاحنة له ثم أطلقوا سراحه كما أخذوا
للحاج عيسى اباعوس-صهري- سيارة جديدة من نوع أوبيل اشتراها حديثا فأعجبتهم واخذوا له
شاحنة و مالا رغم انه أعطاهم المقر الذي نزلوا فيه في تيمولاي و التهمة التي وجهت إليه
وهو أنه صنع الراية الفرنسية في منزله
بالزليج اذ كان يتكون من احمر و ابيض و اسود .
كان
يكفي ان يشير أحدهم إلى شخص ما لجيش التحرير على انه خائن او كان يتعامل مع
الفرنسين حتى ينقض عليه و يسلبه كل ما يملك او يحتجزه في ظروف لا إنسانية حتى يفدي
نفسه و هذا ما جعل جيش التحرير مطية لتصفية حسابات و انتقامات و من الذين كانوا
ضحايا انتقامات , سيدي الهاشم القرشي من شرفاء ايت بناصر في تنكرت سلبه مالا ومنهم كذلك أحمد اكرامن
من هذه الزاوية كذلك وقد اتهمه بانه كان يتعامل مع الفرنسين فاحتجزه بعد أن سلبه
بعض أمتعته ومالا وحليا ثم أطلق سراحه ومنهم الحاج " ند بوهو " الذي كان يعرف الفرنسية و يكتب للناس بها الى فرنسا للحصول على عقد
للعمل فاتهموه بالخيانة لأنه يعرف لغة الاستعمار فسلبوه مالا بعد ان حجزوه مدة.
قال الحاج اكمي
ان جيش التحرير الذي بقي في سوس لا يملك مطبخا ولا طباخين فالسكان هم الذين كانوا
يتناوبون على إطعامه في تيمولاي ، انقسمت المجموعة التي تركت هناك الى قسمين قسم
بقي في تيمولاي السفلى و قسم جاء عندنا الى تيمولاي العليا و نزلوا في دار شخص
اسمه "بنحيطر" ولم يكن القصد من مجيء هذه المجموعة إلى تيمولاي العليا إلا سلب
الناس ممتلكاتهم من ثياب و أثاث و رديوات و (ميكونوكرافات) (وتورن ديسك) و
اسطوانات ،قال : جاؤوا إلى ابي و كان يملك (مكونوكرافا ) فارغموه أن يسلمها لهم مع
الاسطوانات.
و قال الحاج الحسين
كذلك : من الأمور التي كنا نتفكه بها مدة حول جيش التحرير ،هي انه كان هناك شخص
امتنع ان يسلم مذياعه الى بعض أفراده وكان اسمه " أحمد ند عيسى" ،ولما رجع هؤلاء الأفراد الى قائدهم أمر أربعة أفراد منهم أن يذهبوا
اليه مدججين بالسلاح فذهبوا اليه و كأنهم سيواجهون عنترة و أخذوا منه المذياع و
علق أحد الظرفاء و اسمه " او سماعيل " كنت دائما أظن ان جيش التحرير قوي و اليوم تأكدت انه أضعف من قط اذ
لو أرسلوا قطا الى" احمد ند عيسى
" لكفاهم ما قاسوه من عناء من أجل أن يأخذوا منه مذياعا و كان أحمد ند عيسى
هذا انسانا ضعيف البنية عليلا.
و
السبب في تصرفات جيش التحرير هذه كما يراه الحاج الحسين
هو انه انخرط فيه عدد من الرعاع الذين لم يكن لهم من هدف للانخراط فيه الا التسلط
على الناس و ابتزازهم و خلق الرعب بينهم و قد ادركنا هذا في تيمولاي ازدار نحن
الشبان مما حدى بنا أن نعاكسهم غير مبالين بتسلحهم وكنا نرجم بعضهم بالحجارة و خاصة
الذين يتسللون الى وسط الدوار .
كان
سكان تيمولاي يتناوبون على اطعام المجموعة التي استقرت هناك كما هو معمول به في
مناطق اخرى في الناحية، كانوا يهيؤون في كل وجبة عشرة الى خمسة عشر ماعونا كما ان
الشبان كانوا يتناوبون على خدمة هذه المجموعة فيغسلون ثياب افرادها و يهيؤون لهم الشاي
و ينظفون لهم المقر ومن ابى او تأخر يكون مآله العقاب ولم يكن هناك من تشكوا اليه
فالقائدان الاداريان اللذان كانا هناك هما القائد مروان في
بيزاكارن و القائد " عبد الله جوان " في افران و لكنهما كانا يتصرفان بأوامر جيش التحرير اذ هو الذي كانت
له السلطة المطلقة .
اذا ارادوا انجاز عمل ما يخرجون الى
الطريق ومن وجدوه اخذوه معهم ثم كلفوه بانجاز ذلك العمل، ذات يوم كنت واقفا مع شخص
على جانب الطريق فمر بنا قائد من القواد الصغار لجيش التحرير اسمه " بوعزا " وبعد ان سألنا ماذا تفعلان هنا ؟؟ ولم ينتظر الجواب امرنا ان نركب
فركبنا , ذهب بنا الى مكان وجدنا فيه شاحنة متوقفة بسبب عطب وكانت مملوءة بالأسلحة
التي غنموها في معركة ام العشير حيث هجموا عل مركز فرنسي هناك فالحقو بهم خسائر
كثيرة و غنموا تلك الذخيرة الموجودة في تلك الشاحنة , وقد قيل لنا ان هناك شاحنات
اخرى كان صديقي سائقا و يفهم في الميكانيك لما فحص الشاحنة وجد ان ما بها من عطب
كان نتيجة خلل في الفيس بلاتيني فأصلحه ثم انطلقت الشاحنة و في تيمولاي افرغوا
حمولتها في منزل قديم بها و امروني ان اسجل تلك الاسلحة في دفتر وكانت من الكثرة
ما اخد مني وقتا طويلا كانت بها رشاشات و قنابل و رصاص و بنادق من انواع مختلفة
هناك مقهى في بيزاكارن لشخص اسمه "ويكي ايماون" فيه يجمع جيش التحرير ما يسلبه من الضحايا ثم يقوم ببيعه وكان أهل
البزارات من تارودانت خاصة هم من اشترى اغلبه
لما
عملت السلطات العليا ان جيش التحرير أصبح يتصرف تصرفا غير مسؤول وانه اصبح يهدد
النظام ككل وينشر الفوضى و يقوم بالنهب و السلب , قررت حله، ذات يوم وانا عائد من
تارودانت وجدت بيزكارن قد طوقت بالقوات المسلحة الملكية و بالدرك فقيل لي انهم
القوا القبض على جيش التحرير الموجود هناك و ذهبوا الى " اندجا " و علمت
فيما بعد انهم لما حاصروهم هناك و نزعوا سلاحهم خيروهم بين الانضمام الى جيش الملكي او
الرجوع الى ديارهم وكان منهم من اختار الانضمام الى الجيش و منهم من اختار الرجوع
الى منازلهم و بذلك انتهت اسطورة جيش التحرير في الجنوب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهادة مقتطفة من كتاب "
تجاوزات جيش التحرير الجنوبي في سوس من خلال الروايات و الشهادات 1956-1960 الصفحات " ( 247 إلى 250 ) الكتاب للأستاذ عبدالله كيكر ، طبعة
أولى سنة 2007 عن مطبعة " ربا نيت " .
ليست هناك تعليقات: