تيمولاي 24:الحاج إبراهيم إدبوحماد
من حين لحين تطالعنا صور مؤثرة ومعبرة لأشخاص فقدناهم، ولإخوان فارقونا
فراق ممات، من ذلك ما نشره صديقنا وابن عمنا السيد الفاضل هشام ودمين في صفحته على
الفايسبوك ، وبالمناسبة أشكره من الأعماق لأخذه هذه الصورة لأخي الحسين، فقد عودنا
دوما على اتحافنا بصور نادرة تؤرخ لذاكرة تيمولاي بجودة عالية، تنبئ عن احترافيته،
وتفننه في مجال التقاط الصور، وقد أخذت صورة المرحوم الأخ الحسين من صفحته؛ للتعليق
عليها.
فهاته الصورة بمجرد رؤيتها ذكرتني بفاجعة وادي تيمسورت، هذه الفاجعة
التي تركت أثرا بليغا في نفوسنا جميعا، وفي نفوس التيمولائيين قاطبة، لكنني ممن اكتوى
بلظى هذه الحادثة، وذاق مرارتها، ولكل الحق في التعبير عن مشاعره وعواطفه تجاه مصابه
الجلل، وبقدر ما تأثرت للجميع تأثرت كثيرا لفقد خمسة أفراد من عائلتي المباشرين.
أذكر هنا الأخت الشقيقة والعزيزة الشهيدة الحاجة خديجة مسعودي رحمة
الله عليها رحمة واسعة، فهي مثال للجد والعمل والتضحية ونكران الذات، الواصلة لرحمها
في مختلف الظروف، فقد كانت لي سندا قويا وعضدا متينا في مختلف مراحل حياتي، فجزاها
الله عنا خير الجزاء ورحمها رحمة واسعة، ولا يمكنني ان انسى في هذه المناسبة الأليمة
الشهيدة الأخت عائشة مسعودي وابنتيها الشهيدتين.
فالاخت عائشة رمز للتضحية ومثال للتفاني في العمل وقمة في الصبر
والتحمل، لها إحساس خاص وشعور مرهف نحو الناس جميعا، بله عائلتها واقاربها، رحمهن الله
تعالى جميعا واسكنهن فسيح جنانه.
بالإضافة إلى الأخ الشقيق الوحيد الذي تأثرت كثيرا بفقدانه وتألمت
لغيابه، ولا زلت أتذكره صباح مساء مرددا قول الشاعرة الخنساء :
يؤرقني التذكر حين امسي
وأصبح قد بليت بفرط نكسي
فلا والله لا انساك حتى
افارق مهجتي ويشق رمسي
وهذه نبذة مختصرة عن حياته:
المرحوم الحسين بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي البوحمادي المسعودي.
من مواليد تيمولاي إزدار حوالي سنة: 1936 م أو 1938م
كان من جماعة حملة القرآن لتيمولاي إزدار، وقد بدأ تعلم القراءة
والكتابة بمسجد تيمولاي ثم حفظ القرآن كعادة التيمولائيين، والسوسيين، بل المغاربة
بصفة عامة.. ولعل البداية مع القارئ سيدي محمد ابراهيم التكانتي، وسي الحسين يحيا البوزكارني.
ومن معاصريه في هذه الفترة صديقه المخلص سيدي الحاج مبارك ككوس،
وصديقه سيدي عبل ند سي أحمد الديابي، وغيرهما.
ثم انتقل إلى مدرسة (ميرغت) عند الفقيه سيدي محمد أموسى ند بلقاسم
كو إفرض ند العرباء.
ثم آنتقل إلى مدرسة (إصبويا) ناحية ايت بعمران.
وفي إحدى العطل، أو ما يسمى (العواشر) أظن عواشر عيد الأضحى جاء
المرحوم إلى تيمولاي لقضاء فترة العيد مع الأسرة، فصادف ذلك شراء والدنا بغلة( السفواء)
صغيرة عند المرحوم الحاج حسون وبعوس، فأقبل على رعايتها، وترويضها، وفي الوقت نفسه
استهوته الفلاحة التيمولائية المسقية، كان ذلك في بداية الستينات.
اقبل المرحوم على الفلاحة إقبالا منقطع النظير، متفننا في زراعة
مختلف الحبوب، والخضروات، وبعض الفواكه.وكان يبيع الكثير من تلك الغلات، وفي منتصف الستينات
مارس التجارة في شراكة مع خالنا المرحوم أحمد أعمر البور، حيث يتاجران في المواد الغذائية
في دكان لخالنا في بداية (درب ند الأشگر) ثم اشترى دكانا صغيرا محاذيا لحمام المرحوم
عزي في السوق القديم، هناك زاوج بين المواد الغذائية والخياطة. ثم انتقل إلى دكان أخر
وسط السوق القديم مقابل لمنزل أبنائه حاليا.
وفي منتصف الثمانينات انتقل إلى جوار مقهى المرحوم مبارك اضرضور
الكائن في الشارع الرئيسي حاليا في تيمولاي، والدكان مقابل لمحل :إبراهيم بامو. هنا
يتفرغ للخياطة، والملابس المختلطة، وقلما ترى وقتها طفلا، أو يافعا، أو شابا، أو كهلا،
أو شيخا، أو عجوزا، إلا ويحمل (فوقية) من صنع وخياطة المرحوم.
واستقر به المقام أخيرا في محل اشتراه على الشارع الرئيس ليمارس
المهنة نفسها حتى وافاه الأجل المحتوم في فاجعة وادي تمسورت الأليمة بتاريخ
22-11-2014.
مكانته الاجتماعية في تيمولاي:
1- طيلة هذه المدة
يقدم خدمات اجتماعية للساكنة خاصة الخياطة، كان يسافر إلى كلميم ويأتي بمختلف الأقمشة
ويخيطها، وكان فنانا في خياطة(الدشدشات) الفوقيات، وتأتيه الطلبات من تغجيشت والدواوير
المجاورة.
2- كان جبّارا لكسر العظام ماهرا في تيمولاي.
ملاحظة: هذه المهنة (جبر العظام، وقلع الأسنان) كانت وراثية في إد
سيدي حمو، فجدنا الفقير محمد ند سيدي حمو يدعى ويعرف بين ساكنة تيمولاي باضبيب(الطبيب)،
وكان يجري عمليات جراحية ناجحة للرؤوس المهشمة ايام المنازعات الطاحنة بين التيمولائيين
أنفسهم، وبينهم وغيرهم.
ثم أبونا سيدي أحمد كان جبّارا أيضا للعظام، واقتلاع الأسنان،
ويحضرني هنا نموذج ممن جبرهم سيدي احمد ند سيدي حمو هو:( ابراهيم
ند الحمري).
أما من جبرهم المرحوم اخي الحسين لايحصون عددا، ومنهم:
الحسن بن علي أكوربال.
المرحوم الحسن المختار.
ودمين الحسين وعبلا.
ملاحظة: المرجو ممن جبر كسرهم المرحوم سي الحسين من التيمولائيين
وغيرهم أن يدلوا هنا بشهاداتهم مشكورين.
3- أما القضية
الأساس التي أسداها المرحوم للتيمولائيين بسخاء هي :خياطة الأكفان، ولم يتوان قط في
تلبية هذ الطلب، وقد يأتيه قريب من أقارب الميت في أي لحظة، فيلبي نداءه بكل أريحية،
وقد يأتيه في وسط الليل، وفي عز الشتاء فينتفض من مكانه؛ ليلبي النداء؛ لذلك كان فقده
أليما وغيابه واصبا.
وفي النهاية أرجو الله العلي القدير أن يجازي المرحوم على تلك الأعمال
جميعها: الفلاحة، الزراعة، التطبيب، الخياطة.
اللهم ارحمه، واغفر له، واعف عنه، وعافه يارب العالمين.
اللهم تقبل منه تلك الأعمال، واجعلها في ميزان حسناته.
اللهم عطر قبره بأجر تلك الأعمال، ووسع له فيه مد البصر.
اللهم ارحم ارواح من استشهد معه في تلك الحادثة المفجعة، اللهم قدس
أرواحهم جميعا، واجعلهم جميعا في أعلى عليين، في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر،
اللهم تقبل شهادتهم، واجعلها سببا في غفران ذنوبهم يا أرحم الراحمين، اللهم ألهم الصبر
لذويهم المكلومين، وألهم السلو لأبنائهم المجروحين، ولإخوانهم وأخواتهم المفؤودين،
وارزقهم الثبات والعزم لمقاومة تذكرهم الذي لايزال يؤرق الجفون، ويقض المضاجع، ويدمي
القلوب، ويجرح الشعور، ويخدش الوجدان.
رحم الله جميع أموات المسلمين والمسلمات وارحمنا اذا صرنا إلى ما
صاروا إليه، وخفف عنا هذا الوباء واحفظنا من هذا الكرب العظيم في هذا الشهر الكريم،
اللهم امين يا رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق