السبت، 21 يناير 2017

من رجال تيمولاي : الحاج العسري السياسي المجاهد




تيمولاي24: بوزرع ابراهيم / الصور التاريخية  من أرشيف هشام أودمين 
تذكر القرى و البلدان برجالها و مواقفهم في سبيل عزتها و كرامتها ، حفظ التاريخ الخيانات للعبرة و خط بمداد من ذهب الصمود و التضحية و الثبات على المبادئ لتجد الأجيال مفاخر تستمد منها لحاضرها و تستظل بنورها للتطلع لمستقبل الكرامة و العزة ، و عندما يبدأ السمر و ينطلق الحاكي بسرد مناقب و مفاخر الرجال بتيمولاي ليس له بد من  أن يعرج بإسهاب تتشوق له الآذان وتتعطش له القلوب  على سيرة أسد الأطلس الصغير السيد مسعودي الحسين المعروف بالحاج العسري ، قامة سياسية أخذت من الجبال الرواسي لتيمولاي عزتها و إباءها و شموخها و صمودها أمام عوادي الزمان ، سيرته تذكر ببطولات أسود الأطلس الأخرى التي نقشت اسمها في زيان و الريف في معارك و بطولات نقلتها الأجيال و حفظ التاريخ  عبيرها الأخاذ ، اسم يذكر برمزية و جهاد السادة الشرفاء  أحمد أحنصال و عسو باسلام و الخطابي و موحى أحموا الزياني رحم الله الجميع ....
سيرة الحاج العسري كان لزاما أن تقام لها الأيام الدراسية و المحاضرات السنوية تجديدا لذكراه لتعلم الأجيال معادن الرجال التي ناضلت و جاهدت من أجل كرامة و عزة أيت تيمولاي ، و ما هذه الأسطر المعدودة إلا رد يسير لدين على عاتق الأحفاد و جهد نرجو به تجديد الرحمات على أسد الأطلس الصغير الذي سارت بأخباره الركبان .
الغربة و الكفاح الوطني
أسد الأطلس الصغير المعروف بقبيلة تيمولاي بالحاج العسري هو مسعودي الحسين بن عبلا اوكوكوس كان يمتهن  الجزارة ، تنقل من تيمولاي إلى بويزكارن وبعدها إلى تونس صحبة المرحوم الحاج عبلا ندسموح ادوحمو سيرا على الأقدام حيث استقبلهم هناك المرحوم الحاج عبلا اوعبلا بوزراع لينتقل إلى ضفاف أوروبا بالضبط بلجيكا حيث عمل في مناجم الفحم إلى غاية سنة 1948 ليدخل فرنسا بعد مرض أخيه المرحوم محمد بن عبلا اوكوكوس ليمتهن مهنته ومهنة والده الجزارة ، هناك تعرف على بعض الشخصيات السياسية المغربية كاليوسفي وعصمان والخطيب هذا الأخير الذي كان يتسلم من المهاجرين إعانات نقدية لجيش التحرير ، كاد المرحوم الحاج العسري أن يعتقل غير ما مرة ، كافح من موقعه كتاجر بتأمين القسط اليسير من المساهمات المادية التي كان البعمراني الملقب بالساحلي (كو سيحل )هو الوسيط لإيصالها و ربط صلة الوصل بينهم وبين الخطيب و جيش التحرير .
عرف الحاج العسري بقلبه الكبير الذي اتسع للجميع مع  صفاء نية تتعالى عن الضغائن و الأحقاد  و ما أثر عنه رحمه الله  إلا طيب الخلق و رفيع الأدب حتى مع خصومه السياسيين الذين قابلهم بتسامحه اللامحدود ، ومما سجلته كذلك ذاكرة أيت تيمولاي عن الحاج العسري كرمه و عطاؤه السخي حيث كانت له أياد بيضاء على أهل المنطقة واسى ضعيفهم و فرج كربات فقيرهم و ساعد ماديا و معنويا بعضهم على الوقوف و تحقيق نجاحات في مجال التجارة و غيرها .
العودة إلى تيمولاي و مواقف وطنية صادقة
 بعد سنوات من الغربة  حل الحاج العسري  بأرض الوطن، و بعد الاستقلال عرضت عليه عدة امتيازات كرخص الاستغلال المسماة  بالكريمات و امتلاك حصص في بعض الفنادق بالرباط و مبالغ مالية كمقابل  لخدماته و تضحياته مع مع جيش التحرير ، إلا انه رفضها على عادة الشرفاء الذين لا يبتغون من جهادهم جزاء و لا شكورا  إيمانا منهم بالوطنية الحقة  بدون مقابل مادي يفسد صدق نواياهم و جمال تضحياتهم و يدنس أهدافهم النبيلة التي لاقوا من أجلها الصعاب .
و من ذكرياته المتواصلة التي تناقلتها الألسن و خطت في الذاكرة التيمولائية استضافته  لأعضاء جيش التحرير أثناء تصفيتهم للخونة المتعاملين مع الاستعمار  وكان له الفضل بعد الله عز وجل في حماية و الدفاع عن  أيت  تيمولاي الذين كانت أسماؤهم مدونة في لوائح جيش التحرير  ، وقد تناقل أهل تيمولاي مقولتها المشهورة  : (لن يصبح الصبح ليقول أهل تيمولاي أن جيش التحرير قتل أبناء من تيمولاي بعد أن تناولوا وجبة العشاء عند العسري هم أهلي وفي ذمتي ) .
دخول غمار السياسة و خوض معارك الانتخابات
 دخل الحاج العسري  المجال السياسي فكان أول رئيس لجماعة بويزكارن آنذاك إلى أن أعلن عن حالة الاستثناء وحلت جميع المجالس المنتخبة ، نشط الحاج العسري في صفوف الحركة الشعبية و كان له الفضل في افتتاح ما يقارب   90 مكتبا لحزب السنبلة  في الجنوب بدءا من أكادير ماسة الساحل إلى طاطا المغيميمة بمعية رفقاء له في السياسة من الحركيين كالحاج محمد من الساحل والحاج كرم .
و مما يذكر أثناء فترة رئاسته لجماعة بويزكارن  معارضته للابتزاز الذي يتعرض له المقاول حيث كانت له واقعة مع المرحوم الحاج بلقاسم مايوحل الذي كان مكلفا بإنجاز سواقي بحقول بويزكارن وتماطلت الجهات المسؤولة في صرف مستحقاته فسلمها له الحاج العسري من ماله الشخصي وقال(اجيتن ارتن شبعان لحساب وينك كايان هاك مستخدمت) واعترض على التوقيع على الميزانية لاشتمالها على مزايدات في بعض المصاريف .
كان الحاج العسري من فرسان مضمار الانتخابات جابه وزارة   الداخلية التي  كانت تتلاعب بالنتائج ففي كل مرة تعرض للتزوير وتم التلاعب  بالإرادة الشعبية الحرة لأيت تيمولاي ، وكانت السابقة التي يتحدث عنها القاصي و الداني هي اقدامه على السفر بمن صوت عليه للحضور في جلسة الطعن بالمحكمة بأكادير حيث قال للقاضي هؤلاء من صوتوا لي فقم بعدهم لتعرف النتيجة الشيء الذي دفع بالقاضي إلى الانفراد به ليخبره عن سياسة التعليمات الفوقية التي كانت حينئذ تعطى للتلاعب بالنتائج في شتى ربوع المغرب  ، ليعود وهو مقتنع أنه الفائز بشرف و اقتدار ، و رغم المكائد  التي ما فتئت تدبر كلما حلت فترة الانتخابات التي تعتبر تيمولاي حاضنة لأبرز صفحات سجلها التاريخي بالمنطقة و بامتياز منقطع النظير .
الرجال لا يموتون
في لحظات مخاض ربيع 20 فبراير المغربي و بداية صناعة صفحة جديدة من تاريخ المغرب المعاصر غادرنا الحاج العسري رحمه الله  إلى دار البقاء ، غادر أسد الأطلس الصغير الدنيا   زاهدا فيها  و لم يغره زخرفها و لم تخدعه مظاهرها ، غادر الجسد و وري ثرى أرض كانت حلمه وهمه الدائم و دما يسري في عروقه ، غادر الجسد و بقيت المواقف و المبادئ و الذكر الحسن يحيي و يبعث كل يوم روحا طاهرة تتنزل عليها  الرحمات ..

 عقود من الكفاح و الجهاد في سبيل  العزة و الكرامة ، اليوم بقيت ذكراه للأجيال تستمد من أنواره و صموده الدروس و العبر  في سبيل مواصلة مسيرة الألف ميل لتستظل تيمولاي بظلال  الحرية و التنمية و الكرامة .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق