تيمولاي24: الحاج إبراهيم إدبوحماد
لا يمكن الحديث عن رجالات التربية والتعليم في إقليم كلميم ونواحيه
دون أن تستوقفك شخصية تربوية إدارية متميزة، شخصية تركت صدىً كبيرا في الأوساط التربوية
السوسية : إنها شخصية الحاج الحسين إكمي.
والحديث عن الأستاذ إكمي حديث ذو شجون، يطول ويتشعب، ولكن سأكتفي
بأهم المحطات الأساسية في حياته التربوية والإدارية.
1- نسبه ونشأته:
هو الحسين بن محمد بن عمر بن مولود بن سعيد بن عدي الخليفي الإكمي
التيمولائي. ولد سنة 1937 تحقيقا، ابتدأ حفظ القرآن الكريم في كُتّاب قريته تيمولاي
ازدار على يد القارئ سيدي محمد ابراهيم التگانتي، وختم القرآن على يديه ختمتين، توجت
الاولى بهدية رمزية من جده عمر كعادة السوسيين في تفضيل خاتم القرآن وتشجيعه.
2- التعليم النظامي
الرسمي:
بدأ تعليمه الرسمي بمدرسة مؤقتة بتيمولاي عرفت ب " تيگمِ ندواعراب"
قبل الاستقلال سنة 1952 م، ثم انتقل إلى بويزكارن لمتابعة دراسته هناك حتى حصوله على
الشهادة الابتدائية سنة 1956 م.
مارس الأستاذ إكمي التعليم في مدرسة ابتدائية بإفران الأطلس الصغير
سنة 1957 م لمدة قليلة، ولكن طموحه كان أكبر من ذلك على حد تعبيره رحمه الله، لذلك
توجه نحو تارودانت.
3- ثانوية ابن
سليمان الروداني:
هذه المؤسسة عرفت أولا باسم " المدرسة الأهلية لتعليم المهن"،
وهي أول مدرسة عصرية تأسست في الجنوب المغربي سنة 1921 م، ثم غير اسمها المرحوم جلالة
الملك محمد الخامس لما زارها سنة 1959 م إلى ثانوية ابن سليمان الروداني، وكانت هذه
المدرسة تستقطب أبناء الجنوب من أكادير إلى طاطا بل إلى تندوف؛ نظرا لتوفرها على القسم
الداخلي، وعلى الشعب المهنية المختلفة.
تابع الأستاذ إكمي دراسته في هذه المؤسسة : شعبة العلوم التكنولوجية
أو التقنية لمدة ثلاث سنوات: 1961/1958 م توجت بالحصول على الشهادة الإعدادية.
4- التوظيف:
- عين الأستاذ إكمي في إعدادية ابن سليمان الروداني أستاذا للعلوم
التقنية ( معلم الأشغال) إلى حدود الموسم الدراسي 1965/1966 م.
- لما توقف التعليم التقني بتارودانت سنة 1966 م انتقل إلى ثانوية
يوسف بن تاشفين بأكادير وعمل بها منذ سنة 1966 الى سنة 1972 م.
5- العمل النقابي
السياسي:
كان الأستاذ إكمي رحمه الله أثناء تدريسه في ثانوية ابن سليمان الروداني
مناضلا قويا، واتحاديا صلبا، إذ كان عضوا نشيطا في الاتحاد المغربي للشغل المحلي لتارودانت
موازيا مع الاتحاد الوطني للقوة الشعبية، وكان مكلفا بجمع الانخراطات السنوية لأساتذة
ابن سليمان الروداني، في حين كان زميله الأستاذ محمد مرشد أمين المال في المؤسسة نفسها،
كما شارك في المؤتمر التأسيسي للنقابة الوطنية للتعليم بالرباط رفقة زميله في النضال
الأستاذ محمد مرشد سنة 1966 م مُمَثّلَين لمدينة تارودانت.
كما مارس العمل النقابي النضالي في ثانوية يوسف بن تاشفين إلى جانب
أعضاء المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم بأكادير.
6- العمل الإداري
التربوي:
طانطان:
في سنة 1972 م عين حارسا عاما في إعدادية محمد الخامس بطانطان كما
أخبرني بذلك رحمه الله الى حدود سنة 1976م.
كلميم :
وفي سنة 1976 م أصبح مديرا بإعدادية محمد بن الحسن الحضرمي بكلميم،
واشتغل بها الى حدود سنة 1982م.
وبين سنوات 1976 م و 1978 م حصل الأستاذ إكمي على الشهادة العالِمِية.
ولما تأسست ثانوية باب الصحراء سنة 1982 م انتقل إليها الأستاذ إكمي،
وهو أول مدير لها، ليبدأ عهدا جديدا من الكفاح والنضال، وتدبير شؤون الثانوية بجد وحزم،
والسهر على مصالحها، ومرافقها حتى أصبحت ثانوية نموذجية في المنطقة، فأصبحت سفينتها
تمخر عباب الزمان، آملة في الوصول إلى شاطئ السلامة، لكن هذه السفينة جرت رياحها بما
لا تشتهي، فتوقفت عن الجري؛ بسبب رياح عاصفة هوجاء، عصفت مع أوائل شتنبر عام 1984 م
نتيجة الانتخابات البرلمانية التشريعية التي أذكت صراعا حادا بين السلطات المحلية ورجال
التعليم لكلميم ونواحيه، وقد ناضل هؤلاء وكافحوا من أجل أن تكون الانتخابات نزيهة وشفافة،
واحترام إرادة المواطنين، ولكن للسلطة رأي آخر، فتمت الانتخابات كما أرادت وقررت، وبعدها
مباشرة بدأ التنكيل برجال التعليم والانتقام منهم : توقيفا او تنقيلا تعسفيا.
فكان للأستاذ إكمي نصيب الأسد فيما وقع، فتم توقيفه هو وزميله المدير
الإقليمي السيد أحمد بلوش.
أحيل الأستاذ إكمي على نيابة تارودانت منذ أواخر سنة 1984 م الى
حدود سنة 1985م.
طاطا:
عين الأستاذ إكمي من جديد مديرا للثانوية الجديدة بطاطا موسم
1985/ 1986 م، واشتغل بها الى حدود سنة 1988 م.
تيزنيت:
في الموسم الدراسي 1987/ 1988 م انتقل الأستاذ إكمي الى الثانوية
الجديدة بتيزنيت، والتي عرفت فيما بعد باسم : " ثانوية الرسموكي" ، ثم باسم
الثانوية التقنية، لكن تم توقيفه من جديد سنة 1989 م بسبب سوء تفاهم وقع بينه وبين
المدير الإقليمي لتيزنيت، ليشتغل إطارا ملحقا بأكاديمية اكادير منذ تلك السنة الى غاية
استفادته من حقه في التقاعد التام سنة 2000 م.
وبعد تقاعده زاوج بين إقامته بتيمولاي وبين أكادير المدينة المفضلة
لديه، والحبيبة إلى قلبه، محافظا على الصلوات الخمس في المسجد وقراءة الحزب الراتب
إلى أن وافاه الأجل المحتوم يوم 12/12/2017.
وهذا الرجل يستحق منا كل تقدير واحترام، ودعاء بالرحمة والغفران،
وتكريم وتبجيل؛ ونظرا لمكانته وجهوده في ميدان التربية والتعليم تم تكريمه في مناسبات
عديدة، ومنها :
تكريمه بأكاديمية كلميم وادنون سنة 2010 م بحضور والي الجهة ومدير
الأكاديمية.
7- شخصية الحسين
إكمي:
شخصية إكمي يصعب الحديث عنها، والإحاطة بما لها وما عليها؛ نظرا
لاختلاف وجهات النظر حول شخصيته بين راضٍ عنه، وناقم منه. وذلك شيء طبيعي جدا في أي
شخصية بشرية، فالإنسان ليس معصوما من الأخطاء وليس مَلَكا مقربا، ولعل ذلك يعود إلى
طبيعة شخصيته، فهو عصبي المزاج، وحساس جدا، تغضبه بعض المواقف التي قد لا تغضب غيره،
وبالتالي يفقد السيطرة على نفسه والتحكم فيها، وهو شجاع أيضا يصدع بما يؤمن به دون
خوف من أحد، ولا يهاب سلطة المسؤولين مهما علا حجمهم وارتفعت رتبهم، وذلك يسبب له المتاعب
في حياته العملية والاجتماعية، وله مواقف غريبة وطريفة ولا تزال حديث المجالس التربوية
الى اليوم، وفي الختام أورد بعض الشهادات في حق هذه الشخصية التربوية الجريئة:
·
إبراهيم إدبوحماد أستاذ متقاعد:
الأستاذ إكمي كان رجلا مستقيما متدينا، يحب الإسلام الوسطي الاعتدالي،
يلازم المسجد في كل الصلوات، ويكرم القيمين
. عليها، توج ذلك بأداء فريضة الحج سنة 1990 م.
وهو وعاء حافظ لكثير من أحداث تيمولاي، ونواحيها، بل وللأحداث المغربية
بصفة عامة.
·
الأستاذ محمد مرشد مفتش تربوي:
الأستاذ إكمي صارم جدا ومع الجميع.
·
الأستاذ البشير كرمي مدير سابق:
الأستاذ إكمي وطني غيور، نقي العِرض شريفه وعفيفه.
·
الأستاذ أحمد بن موسى أبلاوحي مدير سابق:
التسيير الجيد لكل المؤسسات التي مر بها، يعمل لمصلحة التلاميذ بشهادة
الجميع.
·
الاستاذ محمد لبيب أستاذ وتلميذ سابق بإعدادية الحضرمي:
بلغت إعدادية الحضرمي في عهد إكمي أوج عطائها وقمة مجدها.
·
الأستاذ علي عبيل ناظر حاليا:
إكمي رجل التربية والإدارة بامتياز، ترك في الثانوية الجديدة بطاطا
بصمات واضحة، وحكايات رجولية ومواقف بطولية نادرة.
·
الدكتور عمر بزهار أستاذ جامعي بكلية الشريعة بايت ملول:
إدارة الأستاذ إكمي تتميز بالجدية المبالغ فيها، مع النزاهة والتفاني
في العمل، وعدم الخضوع لأي كان، حازما مع التلاميذ والأساتذة؛ تحقيقا للانضباط وتوفيرا
لجو العمل المناسب.
·
الأستاذ جامع أبرا استاذ مادة الرياضيات:
الأستاذ إكمي رجل عملي، يعمل بكل جد وإخلاص، وتفانٍ لا مثيل له،
يحرص على تأمين الزمن المدرسي، يحضر إلى المؤسسة قبل غيره صباحا ومساءً.
·
ابنه عبد العزيز إكمي:
وخير ما نختم به الشهادات في حقه، شهادة ابنه عبد العزيز في والده
حيث يقول: كان رجلا تربويا بامتياز، يحرص على نشر مكارم الأخلاق بشهادة كل من تتلمذ
على يديه، لا يخاف في قولة الحق لومة لائم، ولعل ذلك سبب له الكثير من الصراعات مع
القريب والبعيد.
وفي النهاية لا يسعني في هذا المقام سوى أن أتقدم بجزيل الشكر لكل
من ساعدني بقليل او كثير في تحرير هاته الترجمة المتواضعة، وهم:
1-
حسون إكمي: أخوه.
2-
عبد العزيز إكمي: ابنه.
3-
سعيد إكمي: ابنه.
4-
محمد مرشد: مفتش تربوي.
5-
الحاج البشير كرمي: مدير تربوي.
6-
أحمد بن موسى ابلاوحي: مدير تربوي.
7-
الحاج الحسين ودمين: نائب برلماني سابق.
8-
الأستاذ الحسن كوكوس: مدير تربوي.
9-
الأستاذ مولاي عمر أكرام: حارس عام.
تغمد الله الفقيد الحسين إكمي بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، وغفر
لموتى المسلمين والمسلمات جميعا، ورحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، والحمد لله رب
العالمين.
ليست هناك تعليقات: